الخميس، 7 يناير 2010

حبس المدين وفقا لقانون التنفيذ الفلسطيني رقم (23) لسنة 2005 دراسة مقارنة

الملخص

يعتبر المدين ملتزماً تجاه الدائن برابطة مفادها الالتزام بإعطاء شيء, أو القيام بعمل, أو الامتناع عن عمل، والأمر الطبيعي هو أن يفي المدين, وينفذ التزامه طواعية, مما يؤدي إلى انقضاء الالتزام بالوفاء, وهو ما نظمته مجلة الأحكام العدلية المطبقة في فلسطين, وكذلك القانون المدني الأردني في المملكة الأردنية الهاشمية, وسمي ذلك "وفاءً اختيارياً حتى لو قام به المدين خوفاً"[1].

وقد نظم كل من المشرعين الفلسطيني والأردني قانونا للتنفيذ, حددا فيه الطرق القانونية لإجبار المدين على تنفيذ التزامه إذا امتنع عن التنفيذ بإرادته, وذلك من باب حفظ الحقوق وعدم ضياعها.

واتضح من الدراسة أن نظام حبس المدين هو نظام يتوافق مع الشريعة الإسلامية, لذا فقد كان رأيي المتواضع تأييده وعدم إنكاره .

وقد عارض بعض الفقهاء مسألة الحبس من وجهة نظر مفادها أن العلاقة بين الدائن والمدين علاقة مالية أي بين ذمتين, وليست بين شخصين, إلا أن هذه الفكرة وقعت في انتقاد آخر من وجهة نظر بعض الفقهاء معتبرين "الحبس مجرد وسيلة خارجة عن مضمون الالتزام ذاته, فهو وسيلة للتنفيذ, وليس من مكونات الالتزام أن تهدف إلى حمل المدين على الوفاء وردعه عن المطل"[2].

ولو أن الحبس ليس وسيلة ناجحة لحفظ الحقوق وإيصالها , لما نصت عليه قوانين بعض الدول بحال وجود الجزاء الجنائي للقاعدة المدنية مثالا : تشريعات الإسكان والتشريعات العمالية والتأمينات, في مصر , وذلك لضرورات عملية, رغم أن حبس المدين ليس عقوبة جنائية, وإنما وسيلة للضغط على إرادة المدين لإكراهه على تنفيذ التزامه بقوة القانون, حيث أن الإكراه الذي لم يكن مشرعاً قانوناً يكون مؤثراً على الأهلية, مما يعيب الرضا, ولو لم يكن ناجحا في حفظ الحقوق لما سمح به العدل المطلق النابع من الإسلام.

وأرى أن الحبس قد يقلل من المشاحنات بين الناس حيث يخاف المدين الحبس, مما يجعله يفي بالتزامه طوعاً قبل لجوء الدائن إلى السلطة العامة ، وتستند الأنظمة التي تأخذ بنظام الحبس كوسيلة للإكراه إلى وقوع الحبس على المدين الموسر, وبهذه الحالة لا يمكن انتقاد واقعة الحبس, أو فكرته, ذلك أن المدين لم يحترم الحقوق الخاصة بالغير, ولم يف بها ولذا فايقاع الحبس في حقه جائز.

إن دراسة هذا البحث جاءت في ثلاثة فصول, ناقشت في الأول: السلطة التي تقوم بالتنفيذ, والمسماة بدائرة التنفيذ لدينا, وهي دائرة تابعة لمحكمة البداية صاحبة الولاية العامة, ولمحكمة الصلح في الأماكن التي لا يوجد فيها محكمة بداية, يرأسها قاض يسمى قاضي التنفيذ ,يخضع لاشرافه مأمور التنفيذ والكتبة, والمحضرين, كما ناقشت إضافة إلى ذلك كل من المحكوم له, والمحكوم عليه, وهما أساس دعوى التنفيذ, حيث لا يمكن تصورها بدون دين ثابت, بسند تنفيذي, ودائن محكوم له بدين محقق وحالّ, ومدين محكوم عليه دون أي مانع من موانع الحبس.

ولحبس المدين شروط يجب توافرها وضعها كل مشرع بما يتلاءم مع ظروفه الاجتماعية, والبيئية والسياسية التي لها صلة, وتأثير على الواقع القانوني, فالإسلام كان شرطه, الدين الحالّ الأداء, المحدد المقدار, والمدين الموسر المماطل, وهي شروط أخذت بها معظم القوانين التي تأخذ بنظام الحبس مع بعض التغييرات, وأخذ مشرعنا الفلسطيني كذلك بهذه الشروط رغم أنه حدد شروطاً بتوافرها, لا داعي للخوض بمقدرة المدين من عدمها, إذ اعتبر القانون المدين بوجودها مقتدراً على الوفاء بحكمه.

وتتم إجراءات الحبس, من تقديم الطلب والبلاغ وفقاً للأصول القانونية المتبعة, حتى يصل الأمر إلى قاضي التنفيذ, الذي يقوم بدوره بالتحقق في جلسة خاصة من الدين, ومن المستندات المقدمة وفقاً للأصول, وإصدار قراره, وذلك بعد انتهاء مدة الإخطار المرسل إلى المدين, من أجل الوفاء, وعدم تقديمه التسوية التي من شأنها إما السداد, وإما التقسيط, بقبول الدائن, وكان المشرع الأردني له فلسفة خاصة بالتسوية, وهي أن تكون بحد أدنى ربع المبلغ المستحق, وقد حدد القانون حالات حبس المدين مقسماً إياها إلى قسمين: الأول: حالات يجب التحقق فيها من قدرة المدين وقسّمها إلى عدة حالات هي:

1) حالة عدم عرض المدين للتسوية.

2) ملك المحكوم عليه ما يكفي لسداد الدين المحكوم به.

3) تصرف المدين بأمواله بقصد التهرب من السداد.

4) ثبوت نية المحكوم عليه بالفرار.

وفي القسم الآخر لحالات الحبس: افترض المشرع اقتدار المدين على الوفاء حكما, و هذه الحالات هي:

1) الذين صدق كاتب العدل على اقتدارهم والذين كفلوا المدين في دائرة التنفيذ.

2) المحكوم عليه بالحقوق الشخصية الناشئة عن جرم.

3) المحكوم عليه بنفقة للزوجة أو الأصول أو الفروع أو الأقارب إذا امتنع عن دفعها.

4) المدين بدين ناشئ عما له مقابل في حوزة المدين .

وأضاف المشرع الأردني الحالات التالية:

1) المهر المحكوم به للزوجة.

2) الامتناع عن تسليم الصغير الذي عهد إليه بحفظه وكذلك عدم الالتزام بتنفيذ حكم المشاهدة ويجدد الحبس تلقائياً لحين الإذعان.

ولثبوت الدين لا بد من شروط تحدد وفق قانون البينات, كما لابد من توافر شروط تثبت قدرة المدين المالية من عدمها , اذ تعتبر القدرة على الوفاء سببا رئيسيا لايقاع الحبس, علماً بأن الدائن غير ملزم بالتحري عن أموال مدينه, وإنما على القاضي الاستيضاح مما يقدم إليه من بيّنات أو يستكشفه من تحقيقات, كما على المدين أن يظهر أمواله إذا خاف الحبس أو إذا أراد إخلاء سبيله.

وللدين موانع حيث لا يصدر قرار الحبس على:

1) من لا يكون مسؤولاً بشخصه عن الدين.

2) المدين الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره, والمعتوه, والمجنون.

3) المدين المحكوم بدينه بين الزوج وزوجته, أو لأجل دين محكوم به للفروع على الأصول.

حيث أضاف المشرع الأردني في موانع الحبس على ذلك.

1) موظفي الدولة.

2) المدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس, أو المدين طالب الصلح الواقي.

3) الحامل حتى انقضاء ثلاثة أشهر من الوضع وأم المولود حتى اتمامه السنتين من عمره.

كما ينقضي الحبس بانقضاء الالتزام, كالوفاء أو برضاء الدائن بإخلاء سبيل مدينه, أو بكشف المدين عن أموال له تكفي لوفاء الدين, وللحبس مدد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مدة (91) يوما في السنة الواحدة لذات الدين, أو لديون متعددة, وقد فرق القانون بين مبلغ الدين الذي يتجاوز (500) دينار, ومبلغ الدين الذي يقل عن ذلك, وأخيراً فإن حبس المدين لا يؤثرعلى حق الدائن باستيفاء دينه.

النص الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق