الخميس، 7 يناير 2010

تفتيش المسكن في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني دراسة مقارنه

الملخص

لقد عالج الباحث في هذه الدراسة، "تفتيش المساكن"، في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني، حيث عالج في التمهيد عدداً من المواضيع ذاتُ صلةٍ بموضوع الدراسة، حيث تناول فيه تعريف التفتيش القضائي، ذلك ان قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني لم يضع تعريفاً له. حيث اتفق الفقهاء على ان التفتيش القضائي ومن جملته تفتيش المساكن هو إجراءٌ من إجراءات التحقيق تختص بإجرائهِ او تأذن به السلطة المختصة وهي النيابه العامه وفقاً لتشريعاتنا ولا يجوز اللجوء الى مثل هذا الإجراء إلا بشأن جناية او جنحة، وذلك بقصد البحث عن الأدلة الجرمية المنسوبة الى المتهم.

كذلك تناول الباحث تحديد المقصود بالمسكن وتعريفه، حيث وضعت المادة الثانية من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 النافذ في فلسطين تعريفاً له، حيث اشترطت المادة المذكورة أنه حتى تسبغ الحماية على ملحقات المسكن وتوابعه ان تكون متصله بالمسكن نفسه، وان يضمها معه سور واحد، وقد تعرض الباحث لآراء الفقه حول تعريف المسكن، حيث اتفقت على عدم الإعتداد بالماده المصنوع منها المسكن، فيستوي ان يكون من الإسمنت او مبنياً من القش او من الشعر او ان يكون عبارة عن قارب.

وقد أشار الباحث إلى عدم أهمية سند حيازة المسكن المراد تفتيشه فقد يكون مالكاً له وقد يكون غاصباً لهذا المسكن، وقد يكون حائزاً له حيازة ناقصة.

كذلك تطرق الباحث في التمهيد الى حرمة المسكن في الشريعة الإسلامية فاستعرض آيات قرآنية كريمة تؤكد حرمة المسكن وعدم جواز دخول مساكن الغير بدون استئذان، وجاءت السنه النبوية الشريفة لتُشدّد على حرمة الحياة الخاصة فحظرت دخول بيوت الآخرين بدون استئذان. وتناول الباحث نبذةً عن حرمة المسكن في المواثيق الدولية والتشريعات العربية.

وقد خصص الباحث الفصل الأول لبيان ماهية تفتيش المسكن وتمييزه عن انواع التفتيش الأخرى، حيث عالج في المبحث الأول ماهية التفتيش وميز بين تفتيش المسكن والذي هو تفتيش قضائي او قانوني يتم من قبل السلطة المختصة وبين صور التفتيش الأخرى، وتناول الباحث مفهوم التفتيش الإداري وبَيَّن الجهة المختصة بإجراءه والغاية منه، وبين الباحث ان سند هذا النوع من التفتيش قد يكون القانون او الرضا او الإتفاق وقد تبرره حالة الضرورة.

كما تطرق الباحث الى مفهوم التفتيش الوقائي وسنده القانوني. كما ميز الباحث بين دخول المساكن وبين تفتيشها وبأن هذا الدخول الممنوح لرجال السلطة العامه نص عليه القانون ومنها حالات الضرورة وطلب النجده. وبين بأن دخول المساكن لايعني تفتيشها ولا يجيز ذلك. كما تطرق الباحث الى خصائص تفتيش المسكن فأوضح خصائصه، وبأن حضور المتهم لتفتيش مسكنه وشاهدين آخرين، فيه بث للطمأنينه في نفسه ومدعاةً لدرء اية شكوك تجاه الدليل المتحصل من عملية التفتيش وقد بين الباحث ان مشرعنا لم ينص على شروط خاصة من حيث سن هؤلاء الشهود، وإنما اكتفى بذِكْرِهم.

وقد عرض الباحث ايضاً في المبحث الأول الى أن هناك بعض الأماكن التي يتطلب تفتيشها القيام بإجراءات خاصة، كعيادات الأطباء، ومكاتب المحامين، والمتاجر العامه والمقاهي، وقد بين الباحث ان هذه العيادات او المكاتب تفتح في أوقات محددة ليدخلها فئه معينه من الناس بقصد معين، وعادة ما يحوز فيها أصحابها أسرار زبائنهم، ولا يسمح بدخولها لرجال الشرطة لمراقبة تطبيق القوانين، وعليه فإن هذه الأماكن تأخذ حكم المساكن وتخضع لأحكامه. أما المتاجر فإن لرجال الشرطة دخولها ما دامت ابوابها مشرعة وتستقبل الزبائن، ويجوز لهم التأكد من تطبيق الأنظمة والقوانين ولكن لا يجوز لهم اجراء التفتيش في ادراج المكاتب الخاصة بصاحب المتجر او تفتيش غرف نزلاء الفنادق لأنها تتمتع بحصانة المسكن.

وقد تطرق الباحث في المبحث الثاني الى تمييز تفتيش المسكن عن غيره من إجراءات جمع الأدلة كالانتقال، والمعاينة، وندب الخبراء، والاستجواب، وقد تطرق الباحث بمزيد من التفصيل الى التفتيش الشخصي، وقد بينت الدراسة اختلاف الأحكام الناظمه لتفتيش الشخص، فلا يشترط لإجراءه حضور شهود كما انه جائز في كل مكان وزمان، وقد بين الباحث وجهة نظره حياله، والتي تقضي بوجوب مساواة تفتيش الشخص بتفتيش المسكن، كما أشار الباحث إلى الإجراءات الخاصة بتفتيش الأنثى من حيث عدم جواز تفتيشها إلا من قبل أنثى تنتدب لذلك، وهذا الأمر من النظام العام ولا يجوز مخالفته وان كان برضي الأنثى الخاضعة للتفتيش، وكذلك أوضح الباحث وجهة نظره في تفتيش الذكر من قبل الأنثى العاملة في سلك الشرطة، والتي تحظر مثل هذا التفتيش في الأماكن التي تعد عورةً.

وفي المبحث الثالث عالج الباحث طبيعة التفتيش الذي يجريه أعضاء الضابطة القضائية بناءً على ندب من النيابة العامة، وكذلك إلى التفتيش المستند إلى القبض، وقد أوضح الباحث وجهة نظره القاضية بأن التفتيش الذي يجريه مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس هو تفتيش وقائي، ولا يجوز تفتيش المقبوض عليه تفتيشاً قضائياً، ذلك أن المادة 11 فقرة 2 من القانون الأساسي الفلسطيني حظرت القبض على احد أو تفتيشه إلا بأمر قضائي وفقاً لإحكام القانون، وقد لاحظ الباحث أن المادة 38 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني أتت متعارضة مع المادة 11/2 السابقة الذكر، ذلك أن ضبط المتهم متلبساً بالجريمة لا يعني إخراج حالة التلبس من حكم المادة 11/2 من القانون الأساسي.

وفي الفصل الثاني تناول الباحث شروط التفتيش الشكلية والموضوعية، حيث عمد في المبحث الأول الى توضيح الشروط الشكلية، ومن جملتها حضور المتهم والشهود لعملية التفتيش وموعد او زمن اجراء التفتيش.

وقد عرض الباحث الآثار الناجمه عن تخلف وعدم مراعاة هذين الشرطين الشكليين وبين انهما من الشروط الشكلية الجوهرية، وبأن القاعدة العامه في تفتيش المسكن أنه لا يتم إلا في ساعات النهار احتراماً لقاطنيه وللحقوق والحريات العامة، ولم يأذن بإجرائه ليلاً إلا في حالات الضرورة، ويميل الباحث الى تشديد الرقابه على التفتيش الليلي وبحضور النيابه العامه ما أمكن.

وأشار الباحث أيضاً إلى تسبيب اذن التفتيش، وبأن المقصود منه بيان العناصر التي استخلص منها عضو النيابه العامه الدلائل الكافية المبررة للتفتيش، والتي اصدر اذنه بناءً عليها، وبأن هذا التسبيب يستند الى التحريات الجدية، وفي هذا الصدد اوضح الباحث رأيه بضرورة قيام مأموري الضبط القضائي بتحري دقة المعلومات، وان يكون مصدرها موثوقاً منزهاً عن غايات او ضغائن شخصية، وبين الباحث بأن قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني لم يضع معياراً محدداً لجدية التحريات من عدمها، فهو امر عائد للنيابه العامه ضمن سلطتها التقديرية، وتحت اشراف ورقابة محكمة الموضوع.

وفي المبحث الثاني تناول الباحث الشروط الموضوعية لتفتيش المسكن، وهي التي تحدد الأحوال التي يجوز اجراؤه فيها، ويعد الإخلال بها مساساً بمشروعية الإجراء نفسه، وعددها الباحث بشرطين هي:- سبب التفتيش، أي وقوع جريمة من نوع الجناية او الجنحة، واتجاه القرائن ضد شخص معين، وبين بأنه يتعين على القائم بالتفتيش ان يضبط الأشياء التي تساند الإتهام وتلك التي تنفيه. ومن حيث محل التفتيش فإن الدراسة اوضحت بأن كل ما يمكن اعتباره مستودعاً لأسرار الشخص يصلح لأن يكون محلاً للتفتيش، فقد يكون الشخص نفسه محلاً للتفتيش، ويمكن حينها اخضاع المتهم للكشف الطبي، كغسيل المعده. ويرى الباحث انه ليس في مثل هذا الإجراء اعتداء على كرامة المتهم وهو اجراء تستلزمه تحقيق العدالة والصالح العام.

وأشار الباحث إلى أن بعض الأماكن والأشخاص لا يجوز تفتيشها لإعتبارات دولية (سياسية) او دستورية او فردية، فالسفارات ومساكن المبعوثين الدبلوماسيين لا يجوز تفتيشها وكذلك اشخاصهم ومراسلاتهم. وهناك اعتبارات وحصانات ممنوحه لعضو المجلس التشريعي، فلا يجوز التعرض له ولا اجراء أي تفتيش في امتعته او بيته او أي عقار او منقول خاص به طيلة مدة الحصانة، ويستثنى من ذلك ضبط العضو المذكور متلبساً بجريمة من نوع الجناية. وبين الباحث انه في غير احوال التلبس فإنه ليس لسلطة التحقيق ان تأمر بتفتيش مسكن النائب بسبب جريمة وقعت من افراد اسرته المقيمين معه إلا بعد صدور قرار رفع الحصانه من المجلس التشريعي.

وتطرقت الدراسة الى إجراءات تفتيش السيارات، فميز الباحث بين السيارات الخاصة والعامة، وميز بين كون السيارة موجوده داخل المسكن ام خارجه، وبين اذا ما كانت متروكة على قارعة الطريق، أم ان ظاهر الحال يوحي بتخلي صاحبها عن حيازتها، كما عرض الباحث الى ان الجهه المختصة بالتفتيش هي النيابة العامبا وبحضورها، أو أن تقوم سلطة التحقيق بندب مأموري الضبط القضائي للتفتيش، وتحدث الباحث عن الإختصاص المكاني والنوعي، وان يكون اذن التفتيش ثابتاً بالكتابه.

وعرض الباحث في الفصل الثالث لآثار تفتيش المسكن، فتناول في المبحث الأول ضبط الأشياء فيصح ان يقع الضبط على الأشياء المادية كالأسلحه المستخدمه في الجريمة، والى الرسائل والمكاتيب المغلقة، كما يصح ان يقع على العقار، اما الأشياء المعنوية كمراقبة المحادثات الهاتفية، وتسجيل الأحاديث الخاصة، فإنها لا تكون محلاً للضبط وانما يكون لها اجراء مستقل، كما اشار الباحث الى مشروعية الضبط العرضي والى كيفية التصرف في المضبوطات والى من ترد، واوضح الباحث انه يتعين حفظ المضبوطات لدى النيابه العامه في خزائن أمينة، ذلك أن الكثير من المضبوطات تتلف أثناء التحفظ عليها سواء لدى النيابة أم لدى مأموري الضبط القضائي، وقد أشار الباحث إلى أن المضبوطات إذا كانت محلاً للمصادرة فإنه يتم مصادرتها لمصلحة الدولة ولا يمكن ردها لمن ضبطت عنده.

وفي المبحث الثالث تناول الباحث بطلان التفتيش وأشار إلى أنواعه، فإما أن يتولى المشرع بنفسه حالات البطلان، فيسمى بطلاناً قانونياً، أو أن يتولى المشرع وضع ضابط عام للحالات التي يمكن أن يترتب على مخالفتها البطلان، وهو ما يسمى بالبطلان الذاتي، وأوضح بأن البطلان قد يتقرر لمصلحة الجماعة أو النظام العام فيكون حينها بطلاناً مطلقاً، وقد يتقرر لمصلحة الخصوم فيكون بطلاناً نسبياً.

وقد بين الباحث بأن مشرعنا الفلسطيني قد اخذ بالنظريتين، ففي البطلان النسبي، فان المحكمة لا تستطيع ان تحكم به من تلقاء نفسها بل لابد من ان يتمسك به الخصوم أمام محكمة الموضوع والا سقط حقه بالدفع به.

وقد أشار الباحث إلى أن مخالفة القواعد والشروط الموضوعية للتفتيش تعد من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق، ولكن في موضوع الشروط الشكلية فقد أشار الباحث إلى اختلاف الفقهاء بشأنه من حيث مدى تعلقه بالنظام العام أم بمصلحة الخصوم، وأوضح وجهة نظره حيال هذه المسألة، حيث أن الشروط الشكلية مقررة لمصلحة الخصوم، وتهدف إلى تمكين المتهم من مراقبة مدى سلامة الدليل، ورعاية مصلحته في الدفاع عن نفسه، وإذا تمت مخالفة هذه الشروط فإنها ترتب بطلاناً مقرراً لمصلحة الخصوم إذا تمسكوا به.

كما أشار الباحث إلى الشروط الواجب توفرها فيمن له الحق بالدفع ببطلان التفتيش من حيث وجود المصلحه وعدم تسبب الطاعن في حصول البطلان.

وعرض الباحث لآثار بطلان التفتيش، ذلك أنه لا يتم ولا يرتب أثره إلا بحكم قضائي، فأشار الى اثر البطلان على الإجراء ذاته، ويرى الباحث الى ان المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة، كما اشار الى اثر البطلان في الإجراءات السابقه عليه، وبين بأن القاعده هنا ان الإجراء الباطل لا يمتد تأثيره الى الإجراءات السابقه عليه، او المعاصرة، له ما دامت انها صحيحة، كذلك أشار الباحث الى اثر بطلان الإجراء في الإجراءآت اللاحقة عليه، وينحصر البطلان بالإجراءآت المبنية على الباطل، فإذا كانت الإجراءات اللاحقة مستقله فإن ذلك لا يؤثر في مشروعيتها ما دامت انها غير مرتبطه بإجراء سابق معيب.

وتطرق الباحث الى جواز اعادة الإجراء الباطل وتصحيحه، فأشار الى ان قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني لم يتناول هذا الأمر، وانما اشارت اليه م/25 من قانون اصول المحاكمات المدنية.

ويرى الباحث انه يمكن اعادة الإجراء الباطل وتصحيحه، فإذا وجدت سلطة التحقيق أن هناك عيباً رافق الإجراء الذي باشره مأمور الضبط القضائي جاز لها اعادة الإجراء بنفسها مرة اخرى ما دام انه تحت سلطتها ولم ينتقل الى سلطة اخرى.

وقد وضع الباحث خاتمة عرض فيها أهم التوصيات العامة على معظم فصول ومباحث البحث، وعرض مقترحات لتعديل بعض نصوص قانون الإجراءات الجزائية.

النص الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق